فصل: فصل إن كانت العاقلة حاضرين في بلد الجناية فالدية عليهم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين **


 الباب الخامس في العاقلة ومن عليه الدية

وفي جناية الرقيق قد سبق عند ذكر جهات تخفيف الدية وتغليظها أن الدية في العمد على الجاني وفي شبه العمد والخطأ على العاقلة وسواء في العمد كان موجباً للدية ابتداء كقتل الأب الابن أم كان موجباً للقصاص ثم عفي على الدية ولا تحمل العاقلة أيضاً دية الأطراف في جناية العمد ثم بدل العمد يجب حالاً على قياس أبدال المتلفات وبدل شبه العمد والخطأ يجب مؤجلاً وفي الباب أطراف الطرف الأول في بيان العاقلة والثاني في صفتهم والثالث في كيفية الضرب عليهم وهذه الأطراف مختصة بجناية الحر والرابع في أما العاقلة فجهات التحمل ثلاث القرابة والولاء وبيت المال وليست المحالفة والموالاة من جهات التحمل ولا يتحمل الحليف ولا العديد الذي لا عشيرة له فيدخل نفسه في قبيلة ليعد منها ولا يتحمل أيضاً عندنا أهل الديوان بعضهم عن بعض بمجرد ذلك أما جهة القرابة فإنما يتحمل منها من كان على حاشية النسب وهم الإخوة وبنوهم والأعمام وبنوهم وأما أبو الجاني وأجداده وبنوه وبنو بنيه فلا يتحملون لأنهم أبعاضه وأصوله فلم يتحملوه كما لا يتحمل الجاني وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بدية مقتولة على عاقلة القاتلة وبرأ زوجها والولد وفي الحديث الآخر قال لرجل معه ابنه ‏"‏ لا يجني عليك ولا تجني عليه ‏"‏ أي لا يلزمك موجب جنايته ولا يلزمه موجب جنايتك فلو جنت امرأة ولها ابن هو ابن ابن عمها لم يتحمل على الأصح لأن البنوة مانعة‏.‏

فرع يقدم أقرب العصبات فأقربهم ومعنى التقديم أن ينظر في الواجب عند آخر الحول وفي الأقربين وإن كان فيهم وفاء إذا وزع الواجب عليهم لقلة الواجب أو لكثرتهم وزع عليهم ولا يشاركهم من بعدهم وإلا فيشاركهم في التحمل من بعدهم ثم الذين يلونهم‏.‏

والمقدم من العاقلة الإخوة ثم بنوهم وإن سفلوا ثم الأعمام ثم بنوهم ثم أعمام الأب ثم بنوهم ثم أعمام الجد ثم بنوهم على ما سبق في الميراث وهل يقدم من يدلي من هؤلاء بالأبوين على المدلي بالأب كالأخ من الأبوين مع الأخ من الأب أم يستويان قولان الجديد الأظهر تقديمه‏.‏

فرع ذوو الأرحام لا يتحملون قال المتولي إلا إذا قلنا بتوريثهم فيتحملون عند عدم العصبات كما يرثون عند عدمهم ولا تحمل بالزوجية بحال‏.‏

الجهة الثانية الولاء فإذا لم يكن للجاني عصبة نسب أو كانوا ولم يف التوزيع عليهم يحمل معتقه فإن لم يكن أو فضل عنه شيء تحمل عصبته من النسب فإن لم يكونوا أو فضل شيء تحمل معتق المعتق ثم عصباته ولا يدخل في عصبة المعتق ابنه وأبوه على الأصح وقيل يدخل لفقد البعضية بينه وبين الجاني ويجري الوجهان في ابن معتق المعتق وأبيه فإن لم يوجد من له نعمة الولاء على الأب الجاني ولا أحد من عصباته تحمل معتق الأب ثم عصباته ثم معتق معتق الأب ثم عصباته فإن لم يوجد من له نعمة الولاء على الأب تحمل معتق الجد ثم عصباته كذلك إلى حيث ينتهي واللقيط الذي لا يعرف نسبه لو ادعاه رجل أو بلغ وانتسب إلى ميت واعترف به ورثته يثبت نسبه وتؤخذ دية جنايته من عصباته فإن قامت بينة بأنه من قبيلة أخرى فالحكم للبينة‏.‏

سيأتي إن شاء الله تعالى أن المرأة لا تتحمل العقل بحال فلو أعتقت عبداً لم تحمل عقله وإنما يحمله من يحمل دية جنايتها كما يزوج عتيقها من يز وجها‏.‏

فرع أعتق جماعة عبداً فجنى خطأ حملوا عنه حمل شخص واحد لأن الولاء لجميعهم لا لكل واحد فإن كانوا أغنياء فالمضروب على جميعهم نصف دينار وإن كانوا متوسطين فربع وإن كانوا بعضاً وبعضاً فعلى الغنى حصته من النصف وعلى المتوسط حصته من الربع ولو كان المعتق وأحد ومات عن إخوة مثلاً ضرب على كل واحد حصته تامة من نصف دينار أو ربعه ولا يقال يوزع عليهم ما كان الميت يحمله لأن الولاء لا يتوزع عليهم توزعه على الشركاء ولا يرثون الولاء من الميت بل يرثون به ولو مات واحد من الشركاء المعتقين أو جميعهم حمل كل واحد من عصباته مثل ما كان يحمله الميت وهو حصته من نصف أو ربع لأن غايته نزوله منزلة ذلك الشريك‏.‏

فرع إذا ضربنا على المعتق فبقي شيء من الواجب فهل يضرب على عصباته في حياته نقل الإمام والغزالي المنع إذ لا حق لهم في الولاء ولا بالولاء في حياته وتردد الإمام فيما لو لم يبق المعتق وضربنا على عصبته فهل يخص بالأقربين لأنهم أهل الولاء والإرث أم يتعدى إلى الأباعد كعصبة الجاني ورجح الاحتمال الثاني وجزم به الغزالي وصرح صاحبا الشامل و التتمة وغيرهما بالضرب عليهم‏.‏

 فصل في تحمل العتيق

عن المعتق قولان أظهرهما المنع إذ لا إرث والثاني نعم ويتأخر عن المعتق ولا يضرب على عصبته بحال قال في البيان مقتضى المذهب أن يكون في عتيق العتيق ال قولاً ن لأن الجاني يتحمل عنه‏.‏

 فصل سيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب العتق

أن من لم يمسه رق قد يثبت عليه ولاء لمعتق أبيه أو جده أو أمه وإن أمه إذا كانت عتيقة والأب رقيق فعليه الولاء لمعتقها فإن أعتق الأب انجر ولاء الولد إلى مولى الأب وتحمل عقله مفرع على الولاء فيتحمله من له الولاء فلو جنى متولد من عتيقة ورقيق فالدية على مولى الأم ولو جرح رجلاً فأعتق أبوه ثم مات المجروح فأرش الجراحة على مولى الأم والباقي على الجاني لأنه لا يمكن إيجابه على معتق الأم لزوال استحقاقه الولاء ولا على معتق الأب لأنه وجب بسراية وجدت قبل انجرار الولاء إليه ولا على بيت المال لوجود جهة الولاء هكذا قاله ابن الحداد والأصحاب وللإمام والغزالي احتمال في بيت المال لأن تعذر الولاء كعدمه وللمسألة نظائر منها متولد من عتيقة ورقيق حفر بئراً عدواناً أو أشرع جناحاً أو ميزاباً فمات به رجل فالدية على مولى الأم فإن أعتق أبوه ثم حصل الهلاك فالدية في ماله ولو حفر العبد بئراً ثم عتق ثم تردى فيها شخص أو رمى إلى صيد فعتق ثم أصاب السهم شخصا فالدية في ماله ولو قطع يد إنسان خطأ فأعتقه سيده ثم سرت إلى النفس صار السيد بإعتاقه مختاراً للفداء فعليه الأقل من نصف الدية وكمال قيمة العبد ويجب في مال الجاني نصف الدية قال البغوي ويجيء وجه أن السيد يفديه بالأقل من كل الدية وكل القيمة لأن الجناية وجدت في الرق‏.‏

ومنها رمى ذمي صيداً فأسلم ثم أصاب إنساناً فالدية في ماله لا على عاقلة الذمي ولا المسلم لأن الدية إنما يحملها من كان عاقلة في حالتي الرمي والإصابة ولو رمى يهودي صيداً ثم تنصر ثم أصاب شخصاً قال الأصحاب إن قلنا لا يقر عليه فهو مرتد لا عاقلة له فالدية في ماله وإن قلنا يقر فالدية على عاقلته على أي دين كانوا وليكن تحملهم على خلاف نذكره إن شاء الله تعالى متصلاً به ولو جرح ذمي رجلاً خطأ وأسلم ثم مات المجروح فأرش الجرح على عاقلته الذميين والباقي في ماله فإن زاد أرش الجرح على دية بأن قطع يديه ورجليه فالواجب دية النفس على عاقلته الذميين قاله ابن الحداد ووافقه الجمهور وفيه وجه قطع به في المهذب أن الأرش والزائد على العاقلة الذميين اعتباراً بحال الجرح ولو عاد بعد الإسلام وجنى على المجني عليه جناية أخرى خطأ ومات منهما فنصف الدية على عاقلته المسلمين وأما الذميون فإن كان أرش الجرح نصف الدية أو أكثر فعليهم النصف أيضاً وإن كان أقل كأرش موضحة فهو على الذميين وما زاد إلى تمام النصف فعلى الجاني وإن كان الجرح بعد الإسلام مذففاً قال الشيخ أبو علي وغيره أرش الجرح الواقع في الكفر على الذميين والباقي إلى تمام الدية على المسلمين وفي النهاية و البيان إن هذا تفريع على قول ابن سريج فيمن جرح ثم قتل أنه لا يدخل أرش جرحه في الدية وأما على الصحيح وهو الدخول فجميع الدية على المسلمين ولو عاد بعد الإسلام فجرحه مع آخر خطأ بني على الخلاف السابق أن الدية توزع على الجارحين أم على الجراحات إن قلنا على الجارحين وهو الأصح فعليه نصف الدية وهو واجب بالجرحين فحصة جرح الإسلام وهي الربع على عاقلته المسلمين وأما جرح الكفر فإن كان أرشه كربع الدية أو أكثر فعلى الذميين الربع أيضاً وإن كان دون الربع فعليهم قدر الأرش والزيادة إلى تمام الربع في مال الجاني وإن وزعنا على الجراحات فثلث الدية وهو حصة جرح الإسلام على عاقلته المسلمين وجرح الكفر إن كان أرشه كثلث الدية أو أكثر فعلى الذميين الثلث وإن كان أقل فعليهم الأرش والباقي إلى تمام الثلث في مال الجاني‏.‏

ومنها لو جرح شخصاً خطأ ثم ارتد ثم مات المجروح بالسراية فأرش الجرح على عاقلته المسلمين والباقي إلى تمام الدية في مال الجاني فإن كان الأرش كالدية أو أكثر بأن قطع يديه ورجليه فقدر الدية وهو الواجب يلزم العاقلة ولو جرح وهو مرتد ثم أسلم ثم مات المجروح فالدية في ماله إذ لا عاقلة للمرتد ولو جرحه وهو مسلم فارتد الجارح ثم أسلم ثم مات المجروح فهل على عاقلته جميع الدية اعتباراً بالطرفين أم عليهم أرش الجرح وما زاد في مال الجاني قال الشيخ أبو علي فيه قولان وجزم آخرون بوجوب الجميع عليهم إن قصر زمان الردة المتخللة وخصوا القولين بطول زمانها قال البغوي ويجيء وجه أن على العاقلة ثلثي الدية لوجود الإسلام في حالين ولو رمى سهما إلى صيد وارتد فأصاب شخصاً أو رمى المرتد صيداً فأسلم فأصاب السهم فالدية في ماله لأنه تبدل حاله رمياً وإصابة ولو تخللت الردة بين الرمي والإصابة فكذا الجواب في التهذيب وذكر أبو علي أنهم خرجوها على قولين أحدهما تجب الدية على عاقلته المسلمين والثاني في ماله‏.‏

الجهة الثالثة بيت المال فيتحمل جناية من لا عصبة له بنسب ولا ولاء أو له عصبة معسرون أو فضل عنهم شيء من الواجب فيجب الباقي في بيت المال إن كان الجاني مسلماً فإن كان مستأمناً أو ذمياً فلا بل الدية في ماله على المذهب وقيل قولان كمسلم لا عاقلة له ولا بيت مال وهل يتحمل أبوه وابنه وجهان كالوجهين في المسلم إذا لم يكن له عاقلة ولا بيت مال وقلنا تجب عليه الدية هل يلزم أباه وابنه وأما المرتد فلا عاقلة له فدية قتله خطأ في ماله مؤجلة فإن مات سقط الأجل‏.‏

الطرف الثاني في صفات العاقلة وهي خمس الأولى التكليف فلا يعقل صبي ولا معتوه الثانية الذكورة فلا تعقل امرأة ولا خنثى فإن بان ذكراً فهل يغرم حصته التي أداها غيره وجهان قلت لعل أصحهما نعم والله أعلم‏.‏

الثالثة اتفاق الدين فلا يعقل مسلم عن ذمي وعكسه وفي عقل يهودي عن نصراني وعكسه قولان‏.‏

قلت أظهرهما نعم والله أعلم‏.‏

ولو كان لذمي أقارب حربيون فلا قدرة عليهم فهم كالعدم قال المتولي فإن قدر الإمام على الضرب عليهم بني على أن اختلاف الدار يمنع التوارث إن قلنا نعم فلا ضرب وإلا فوجهان والمعاهد كالذمي فيعقل عنه الذمي ويعقل هو عن الذمي إن زادت مدة العهد على أجل الدية ولم ينقطع قبل مضي الأجل الرابعة الحرية فلا يعقل مكاتب الخامسة أن يكون غنياً أو متوسطاً لا فقيراً معتملاً ولا يمنع العقل مطلق المرض والكبر والزمانة والعمى والهرم وفي الزمن والأعمى والهرم وجه لضعفهم عن النصرة‏.‏

 فصل يضرب على الغني نصف دينار وعلى المتوسط ربع دينار

وهل النصف والربع حصة كل سنة أم لا يجب في السنين الثلاث إلا النصف أو الربع وجهان أصحهما الأول قال البغوي يضبط الغنى والتوسط بالعادة ويختلف باختلاف البلدان والأزمان ورأي الإمام أن الأقرب اعتبار ذلك بالزكاة فإن ملك عشرين ديناراً آخر الحول فغني وإن ملك دون ذلك فاضلاً عن حاجاته فمتوسط ويشترط أن يملك شيئاً فوق المأخوذ منه وهو الربع لئلا يصير فقيراً وشرطهما أن يكون ما يملكانه فاضلاً عن مسكن وثياب وسائر ما لا يكلف بيعه في الكفارة‏.‏

فرع الإعتبار فيما يؤخذ كل حول بآخر ذلك الحول في أمور أحدها إذا تم حول وهناك إبل جمعت العاقلة ما عليهم من نصف وربع فاشتروا به إبلا فإن لم توجد الإبل فعلى القولين في أن الواجب حينئذ القيمة أم بدل مقدر فلو تأخر الأداء بعد الحول فوجدت لزمهم الإبل وإن وجدت بعد أخذ البدل لم يؤثر الثاني إذا لم يف التوزيع على العاقلة بواجب الحول أخذ الباقي من بيت المال ولا ينتظر مضي الأحوال الثلاثة الثالث يعتبر غناه وتوسطه في آخر الحول فلو كان معسراً آخر الحول لم يلزمه شيء من واجب ذلك الحول وإن كان موسراً من قبل أو أيسر بعد ولو كان موسراً آخر الحول لزمه فلو أعسر بعده فهو دين عليه ولو كان بعضهم في أول الحول كافراً أو رقيقاً أو صبياً أو مجنوناً وصار في آخره بصفة الكمال فهل تؤخذ منه حصته من واجب تلك السنة وما بعدها فيه أوجه أصحها لا والثاني نعم والثالث لا تؤخذ حصة تلك السنة ويؤخذ ما بعدها‏.‏

فرع يشبه أن يكون المرعي في وجوب النصف والربع قدرهما لا أنه يلزم العاقلة بذل الدنانير بأعيانهما لأن الإبل هي الواجب في الدية يؤخذ يصرف إلى الإبل وللمستحق أن لا يقبل غيرها يوضحه أن المتولي قال عليه نصف دينار أو ستة دراهم‏.‏

الطرف الثالث في كيفية الضرب على العاقلة قد سبق بيان ترتيب العصبات والجهات وقدر الواجب فإذا انتهى التحمل إلى بيت المال فلم يكن فيه مال فهل يؤخذ الواجب من الجاني وجهان بناء على أن الدية تجب على العاقلة أولاً أم على الجاني ثم تحملها العاقلة وفيه وجهان ويقال قولان أصحهما تؤخذ من الجاني فإن قلنا لا تؤخذ ففي وجه تجب الدية على جماعة المسلمين كنفقة الفقراء ولم يذكر الجمهور هذا لكن لو حدث في بيت المال مال هل يؤخذ منه الواجب وجهان حكاهما القاضي حسين وغيره أحدهما لا كما لا يطالب فقير العاقلة لغناه بعد الحول وإن قلنا تؤخذ من الجاني فهي مؤجلة عليه كالعاقلة وهل تجب علي أبيه وابنه وجهان أصحهما لا والثاني نعم ويقدمان على القاتل‏.‏

فرع إذا اعترف الجاني بالخطأ أو شبه العمد وصدقته العاقلة فعليهم الدية وإن كذبوه لم يقبل إقراره عليهم ولا على بيت المال لكن يحلفون على نفي العلم فإذا حلفوا فالدية على المقر قطعاً وعن المزني أنه لا شيء عليه إن قلنا تجب الدية أولاً على العاقلة قال الإمام ولا يبعد هذا عن القياس والذي قطع به الأصحاب هو الأول وتتأجل الدية عليه كالعاقلة لكنه يؤخذ منه في آخر كل حول ثلث الدية بخلاف الواحد من العاقلة فلو مات فهل تحل الدية وجهان أحدهما لا لأن الأجل يلازم دية الخطأ وأصحهما نعم كسائر الديون المؤجلة بخلاف ما لو مات أحد العاقلة في أثناء الحول لا تؤخذ من تركته لأن سبيله المواساة والوجوب على الجاني سبيله صيانة الحق عن الضياع فلا يسقط فلو مات معسراً قال البغوي يحتمل أن تؤخذ الدية من بيت المال كمن لا عاقلة له ويحتمل المنع كما لو كان حياً معسراً‏.‏

قلت هذا الثاني أرجح والله أعلم‏.‏

ولو غرم الجاني ثم اعترفت العاقلة فإن قلنا الوجوب يلاقيه لم يرد الولي ما قبض بل يرجع الجاني على العاقلة وإن قلنا هي على العاقلة أولاً رد الولي ما أخذ وابتدأ بمطالبة العاقلة وفي التهذيب أنه لو ادعى عليه قتل خطأ أو شبه عمد ولا بينة ونكل المدعى عليه عن اليمين فحلف المدعي فإن قلنا اليمين المردودة كإقرار المدعى عليه وجبت الدية على المدعى عليه إن كذبت العاقلة المدعي وإن قلنا كالبينة فهل الدية على العاقلة أم على المدعى عليه ذهاباً إلى أنها لا تكون كالبينة إلا في حق المتداعيين فيه وجهان‏.‏

 فصل بدل الأطراف وأروش الجراحات على العاقلة

بدل الأطراف وأروش الجراحات والحكومات قليلها وكثيرها يضرب على العاقلة على المشهور كديةالنفس وحكي عن القديم قول إنها لا تضرب عليهم لأن الضرب على خلاف القياس لكن ورد الشرع به في النفس فيقتصر عليها ولهذا لا كفارة ولا قسامة في الطرف وقول آخر إن ما دون ثلث الدية لا يضرب لأنه لا يعظم اجحافه بالجاني‏.‏

فرع لو كان الأرش نصف دينار مثلاً والعاقلة جماعات فوجهان أصحهما يوزع النصف عليهم والثاني يعين له القاضي واحداً أو جماعة باجتهاده كي لا يعسر التوزيع وهذا كالخلاف فيما لو كثرت العاقلة في درجة بحيث لو وزع الواجب لأصاب كل غني دون نصف وكل متوسط دون ربع ف قولاً ن المشهور ضربه على الجميع والثاني يخص الإمام جماعة يضرب على أغنيائهم النصف ومتوسطهم الربع وعلى هذا وجهان الصحيح أنه يخص جماعة باجتهاده والثاني يجعلهم فريقين أو ثلاثة كما يقتضيه الحال ويقرع‏.‏

 فصل لا خلاف أن ما يضرب على العاقلة يضرب مؤجلاً

وأن الأجل لا ينقص عن سنة وأن دية النفس الكاملة تؤجل إلى ثلاث سنين يؤخذ في كل سنة ثلثها واختلف الأصحاب في علته فراعت طائفة كونها بدل نفس محترمة وراعى آخرون قدر الواجب واعتبروا التأجيل به وهذا أصح وتظهر فائدة الخلاف في صور أحدها بدل العبد أو طرفه إذا جني عليه خطأ أو شبه عمد هل تحمله العاقلة أم هو في مال الجاني قولان أظهرهما الأول وهو الجديد لأنه بدل آدمي ويتعلق به قصاص وكفارة فعلى هذا لو اختلف السيد والعاقلة في قيمته صدقوا بأيمانهم فلو صدقه الجاني لم يقبل عليهم بل الزيادة على ما اعترفت به العاقلة في ماله وعلى هذا القول لو كانت قيمة العبد قدر دية حر ضربت في ثلاث سنين ولو كانت قدر ديتين فهل تضرب في ثلاث سنين لكونها بدل نفس أم في ست سنين في كل سنة قدر ثلث دية نظراً إلى القدر وجهان أصحهما الثاني‏.‏

الثانية في دية النفس الناقصة كامرأة وذمي وغرة جنين وجهان أحدهما في ثلاث سنين لأنها نفس وأصحهما ينظر إلى القدر فدية اليهودي والنصراني والمجوسي والجنين في سنة فإنها لا تزيد على الثلث ودية المرأة في سنتين في آخر الأولى ثلث دية الرجل وفي آخر الثانية الباقي الثالثة قتل جماعة كثلاثة رجال مثلاً فهل تضرب دياتهم على عاقلته في ثلاث سنين أم في تسع وجهان أصحهما الأول ولو قتل ثلاثة وأحد فعلى عاقلة كل واحد ثلث ديته مؤجل عليهم في ثلاث سنين على الصحيح وقيل في سنة‏.‏

الرابعة دية الأطراف وأروش الجراح والحكومات قيل تضرب في سنة قلت أم كثرت والصحيح التفضيل فإن لم يزد الواجب على ثلث الدية ضرب في سنة وإن زاد عليه ولم يجاوز الثلثين ففي سنتين في آخر الأولى ثلث دية وفي آخر الثانية الباقي وإن زاد على الثلثين ولم يجاوز الدية ففي ثلاث سنين وإن زاد كقطع يديه ورجليه فالمذهب أنه في ست سنين وقيل في ثلاث ويد المرأة في سنة ويداها كنفسها‏.‏

فصل مات بعض العاقلة في أثناء السنة لا يؤخذ شيء من تركته كالزكاة ولو مات بعد الحول والوجوب عليه وجب في تركته‏.‏

 فصل إن كانت العاقلة حاضرين في بلد الجناية فالدية عليهم

وإن كانوا غائبين لم يستحضروا ولا ينتظر حضورهم بل إن كان لهم هناك مال أخذ منه وإلا فيحكم القاضي عليهم بالدية على ترتيبهم ويكتب بذلك إلى قاضي بلدهم ليأخذها وإن شاء حكم بالقتل وكتب إلى قاضي بلدهم ليحكم عليهم بالدية ويأخذها منهم وإن غاب بعضهم وحضر بعضهم نظر إن استووا في الدرجة فقولان أحدهما يقدم من حضر لقرب داره وإمكان النصرة منه وأظهرهما تضرب على الجميع ويكون كما لو حضروا كلهم أو غابوا وعلى الأول إن لم يكن في الحاضرين وفاء ضرب الباقي على الغائبين وطريقه كتاب القاضي كما سبق وإن اختلفت دارهم قدم الأقرب داراً فالأقرب هكذا ذكر القولين الجمهور وجعلهما المتولي في أنه هل يجوز تخصيص الحاضرين وإن اختلفت درجتهم فإن كان الحاضرون أقرب وزع عليهم فإن لم يفوا بالواجب كتب القاضي لما بقي وإن كانوا أبعد ففي تخصيص الحاضرين طريقان أصحهما طرد الخلاف والثاني القطع بالضرب على الأقربين وإن بعدت دارهم وبه قطع الشيخ أبو حامد والعراقيون‏.‏

 فصل ابتداء المدة في دية النفس من وقت الزهوق

سواء قتله بجرح مذفف أو بسراية جرح ولا خلاف فيما ذكرناه في كتب الأصحاب في جميع الطرق وأما قول الغزالي إن ابتداء المدة من وقت الرفع إلى القاضي فلا يعرف لغيره وقد نقله صاحب البيان عن الخراسانيين ويمكن أنه أراد به الغزالي وأما أرش ما دون لنفس فإن لم يسر واندملت فابتداء مدتها من وقت الجناية على الصحيح وقال أبو الفياض من الاندمال فعلى الأول لو مضت سنة ولم تندمل ففي مطالبة العاقلة بالأرش الخلاف السابق في مطالبة الجاني العامد قبل الاندمال وإن سرت من عضو إلى عضو بأن قطع أصبعه فسرت إلى كفه فهل ابتداء المدة من سقوط الكف أم من الاندمال أم أرش الأصبع من يوم القطع وأرش الكف من يوم سقوطها فيه ثلاثة أوجه وبالأول قطع البغوي وبالثاني الشيخ أبو حامد وأصحابه والثالث اختاره القفال والإمام والغزالي والروياني‏.‏

 فصل في مسائل منثورة

القاتل خطأ لا يحمل شيئاً من الدية ومن قتل نفسه أو قطع طرفه خطأ أو عمداً فهدر‏.‏

جناية الصبي والمجنون محمولة إن كانت خطأ أو شبه عمد أو عمداً وقلنا عمدهما خطأ‏.‏

لو حل نجم ولا إبل في البلد قومت يومئذ وأخذت قيمتها ولا تعتبر بعض النجوم ببعض وفي فتاوي البغوي أن من نصفه حر ونصفه رقيق إذا قتل خطأ تجب نصف الدية على عاقلته‏.‏

الطرف الرابع في جناية العبد وأم الولد فإذا جنى عبد جناية توجب مالاً أو قصاصاً وعفي على مال تعلق برقبته فتؤدى منها وهل تتعلق مع ذلك بذمته فيه قولان مستنبطان من قواعد الشافعي رحمه الله تعالى ويقال وجهان أحدهما نعم فتكون الرقبة مرهونة به وأظهرهما عند الجمهور لا وينسب إلى الجديد فإن قلنا بالذمة فبقي شيء بعد صرف ثمنه إلى الأرش اتبع به بعد العتق وكذا لو ضاع الثمن قبل صرفه إلى المجني عليه يطالب بالجميع وهل يجوز ضمانه وجهان أحدهما لا لعدم استقراره في الحال وأصحهما نعم كضمان المعسر وأولى لتوقع يساره وضمان ما يلزم ذمته بدين المعاًملة أولى بالصحة‏.‏

ولا خلاف أنه يصح ضمان ما تعلق بكسبه كالمهر في نكاح صحيح ولو ضمنه السيد فمرتب على ضمان الأجنبي وأولى بالصحة لتعلقه بملكه ثم العبد المتعلق برقبته مال لا يصير ملكاً للمجني عليه بل سيده بالخيار بين أن يبيعه بنفسه أو يسلمه للبيع وبين أن يبقيه لنفسه ويفديها ويكون المال الذي بذله فداء كالثمن الذي يشتريه به أجنبي وإذا سلمه للبيع فإن كان الأرش يستغرق قيمته بيع كله وإلا فقدر الحاجة إلا أن يأذن سيده في بيع الجميع فيؤدي الأرش ويكون الباقي له وكذا الحكم لو لم يوجد من يشتري بعضه وإن أراد سيده فداءه فبكم يفديه قولان أظهرهما باتفاق الأصحاب وهو الجديد بأقل الأمرين من قيمته وأرش الجناية والقديم بالأرش بالغاً ما بلغ فعلى الجديد قال البغوي النص أنه تعتبر قيمته يوم الجناية وقال القفال ينبغي أن تعتبر قيمته يوم الجناية وقال القفال ينبغي أن تعتبر قيمته يوم الفداء لأن ما نقص قبل ذلك لا يؤاخذ السيدبه وحمل النص على ما إذا سبق من السيد منع من بيعه حالة الجناية ثم نقصت قيمته ولو جنى ففداه ثم جنى فإما أن يسلمه ليباع وإما أن يفديه ثانياً فإن كانت الجناية الثانية قبل الفداء فإن سلمه للبيع بيع ووزع الثمن على أرش الجنايتين وإن اختار الفداء فداه على الجديد بأقل الأمرين من القيمة والأرشين وعلى القديم بالأرشين وكذا الحكم لو كان سلمه للبيع فجنى ثانياً قبل البيع ولو قتل السيد عبده الجاني أو أعتقه أو باعه وقلنا بنفوذهما أو استولد الجانية لزمه الفداء وفي قدره طريقان أحدهما طرد القولين وأصحهما القطع بأقل الأمرين لتعذر البيع وبطلان توقع زيادة راغب‏.‏

ولو مات الجاني أو هرب قبل أن يطالب السيد بتسليمه فلا شيء على السيد وكذا لو طولب ولم يمنعه فلو منعه صار مختاراً للفداء قال البغوي ولو قتل الجاني فللسيد أن يقتص وعليه الفداء للمجني عليه ويجوز أن ينظر في وجوب الفداء عليه إلى أن موجب العمد القصاص أو أحد الأمرين فإن كان القتل موجباً للمال تعلق حق المجني عليه بقيمته وإذا أخذت يخير السيد في تسليم عينها أو بدلها من سائر أمواله وإذا لزم الفداء بعد موت العبد أو قبله ففيما يفديه به الطريقان فيمن قتل العبد أو أعتقه لحصول اليأس من بيعه بما يزيد على قيمته ولو قال السيد اخترت الفداء أو قال أنا أفديه فوجهان أحدهما يلزمه الفداء ولا يقبل رجوعه والصحيح أنه لا يلزمه بل يبقى خياره كما كان وموضع الخلاف ما إذا كان العبد حياً فإن مات فلا رجوع له بحال‏.‏

 فصل إذا جنت مستولدة على نفس أو مال وجب على سيدها الفداء

وفيما يفديه به طريقان المذهب أنه بأقل الأمرين من قيمتها والأرش والثاني على قولين كالقن والفرق أنها غير قابلة للبيع وهل تعتبر قيمة يوم الجناية أم يوم الاستيلاد وجهان أصحهما الأول ولو جنت جنايتين وقلنا يفدي بالأرش لزم السيد الأروش بالغة ما بلغت وإن قلنا بالمذهب إن الواجب أقل الأمرين فإن كان أرش الجناية الأولى دون القيمة وفداها به وكان الباقي من قيمتها يفي بأرش الجناية الثانية فداها بأرشها أيضاً وإن كان أرش الأولى كالقيمة أو أكثر أو أقل والباقي من القيمة لا يفي بأرش الجناية الثانية فثلاثة أقوال أظهرها أن الجنايات كلها كواحدة فيلزمه البيع فداء واحد والثاني يلزمه لكل جناية فداء والثالث إن فدى الأولى قبل جنايتها الثانية لزمه فداء آخر وإلا فواحد وإذا ألزمناه فداء وأحد اشترك فيه المجني عليهما أو عليهم على قدر جناياتهم فلو كانت قيمة المستولدة ألفاً وأرش كل واحدة من الجنايتين ألفاً فلكل منهما خمسمائة فإن كان الأول قبض الألف استرد الثاني منه خمسمائة فإن كانت قيمتها ألفاً وأرش الأولى ألف والثانية خمسمائة يرجع الثاني على الأول بثلث الألف ولو كانت الأولى خمسمائة والثانية ألفاً أخذ الثاني من السيد خمسمائة تمام القيمة ورجع على الأول بثلث خمس المائة التي قبضها ليصير معه ثلثا الألف ومع الأول ثلثه ثم قيل الخلاف عند تخلل الفداء فيما إذا دفع السيد الفداء إلى المجني عليه الأول باختياره أما إذا دفعه بقضاء القاضي فلا يلزمه شيء آخر قطعاً وعن ابن أبي هريرة أنه لا فرق وتجري الأقوال في الجناية الثالثة والرابعة وإلى ما لا نهاية له ومهما زادت الجناية زاد الاسترداد وشبه ذلك بما إذا قسمت تركة إنسان على غرمائه أو ورثته وكان حفر بئر عدوان فهلك بها شيء زاحم المستحق الغرماء والورثة واسترد منهم حصته فلو هلك آخر زاد الاسترداد‏.‏

فرع جنى القن فمنع السيد بيعه واختار الفداء ثم جنى ففعل مثل ذلك لزمه لكل جناية الأقل من أرشها وقيمته ولو جنى جنايات ثم قتله السيد أو أعتقه لا يلزمه إلا فداء واحد‏.‏

فرع وطىء الجانية فوجهان أحدهما أنه اختيار للفداء كما أن وطء البائع في زمن الخيار فسخ ووطء المشتري إجازة والصحيح المنع لأن الوطء لا دلالة له على الالتزام مع أنه لو التزم لم يلزمه على الأصح كما سبق ويخالف الخيار فإنه ثبت بفعله فسقط به وخيار السيد هنا ثبت بالشرع فلا يسقط بفعله‏.‏

فرع جنت جارية لها ولد أو ولدت بعد الجناية من كان موجوداً حال الجناية أو حدث بعدها لا يتعلق به الأرش فإن لم يجوز التفريق بيع معها وصرفت حصة الأم إلى الأرش وحصة الولد للسيد وهل تباع حاملاً بحمل كان يوم الجناية أو حدث إن قلنا الحمل لا يعرف بيعت كما لو زيدت زيادة متصلة وإلا فلا تباع حتى تضع لأنه لا يمكن إجبار السيد على بيع الحمل ولا يمكن استثناؤه‏.‏

فرع لو لم يفد السيد الجاني ولا سلمه للبيع باعه القاضي وصرف الثمن إلى المجني عليه ولو باعه بالأرش جاز إن كان نقدا وكذا إن كان إبلا وقلنا يجوز الصلح عنها‏.‏

 الباب السادس في دية الجنين

فيه أطراف الطرف الأول الموجب وهو جناية توجب انفصال

الجنين ميتاً فهذه قيود الأول الجناية وهي ما يؤثر في الجنين من ضرب وإيجار دواء ونحوهما ولا أثر للطمة خفيفة ونحوها كما لا يؤثر في الدية‏.‏

الثاني الانفصال فلو ماتت الأم ولم ينفصل جنين لم يجب على الضارب شيء وكذا لو كانت منتفخة البطن فضربها شخص فزال الانتفاخ أو كانت تجد حركة في بطنها فزالت لجواز أنه كان ريحاً فانفشت ثم هل يعتبر انكشاف الجنين بظهور شيء منه أم الانفصال التام وجهان أصحهما الأول لتحقق وجوده ويتفرع عليهما ما لو ضرب بطنها فخرج رأس الجنين مثلاً وماتت الأم كذلك ولم ينفصل أو خرج رأسه ثم جنى عليها فماتت فعلى الأصح تجب الغرة لتيقن وجوده وعلى الثاني لا ولو قدت نصفين وشوهد الجنين في بطنها ولم ينفصل ففيه الوجهان ولو خرج رأسه وصاح فحز رجل رقبته فعلى الأصح يجب القصاص والدية لأنا تيقنا بالصياح حياته وإن اعتبرنا الانفصال فلا قصاص ولا دية ولو صاح ومات فوجوب الدية على الخلاف‏.‏

الثالث كون المنفصل ميتاً فلو انفصل حياً نظر إن بقي زماناً سالماً غير متألم ثم مات فلا ضمان على الضارب لأن الظاهر أنه مات بسبب آخر وإن مات عند خروجه أو بقي متألماً حتى مات وجبت فيه دية كاملة لأنا تيقنا حياته فأشبه سائر الأحياء وسواء استهل أو وجد ما يدل على حياته كتنفس وامتصاص لبن وحركة قوية كقبض يد وبسطها ولا عبرة بمجرد الاختلاج على المشهور وإذا علمت الحياًة فسواء كان انتهى إلى حركة المذبوح أم لم ينته وبقي يوماً ويومين ثم مات لأنا تيقنا الحياة في الحالين والجناية عليه والظاهر موته بها وسواء انفصل لوقت يعيش فيه أو لوقت لا يتوقع أن يعيش بأن ينفصل لدون ستة أشهر وقال المزني إن لم يتوقع أن يعيش أو كان انتهى إلى حركة المذبوح ففيه الغرة دون الدية ولو قتل شخص هذا الجنين بعد انفصاله فإن انفصل لا بجناية فعلى القاتل القصاص كما لو قتل مريضاً مشرفاً على الموت وإن انفصل بجناية فإن كان فيه حياة مستقرة فكذلك وإلا فلا شيء على الثاني والقاتل هو الأول ولو انفصل ميتاً بعد موت الأم من الضرب وجبت الغرة كما لو انفصل في حياتها لأنه شخص مستقل فلا يدخل في ضمانها‏.‏

فرع سواء في وجوب الغرة كان الجنين ذكراً أو أنثى ثابت النسب أو غيره تام الأعضاء أو ناقصها ولو اشترك اثنان في الضرب فالغرة عليهما ولو ألقت جنينين وجب غرتان ولو ألقت حياً وميتاً ومات الحي وجب دية وغرة ولو ضرب بطن ميتة فانفصل منها جنين ميت فلا غرة كذا قاله البغوي قال القاضي الطبري يجب لأن الجنين قد يبقى في جوفها حياً والأصل بقاء الحياة‏.‏

فرع ألقت المضروبة يداً أو رجلاً وماتت ولم ينفصل الجنين بتمامه فالصحيح وجوب الغرة وهو نصه في المختصر وفي وجه يجب نصف غرة لأن اليد تضمن بنصف الجملة وهو تفريع على أن الجنين لا يضمن حتى ينفصل كله ولو ألقت يدين أو رجلين أو يداً ورجلاً وجبت غرة قطعاً ولو ألقت من الأيدي والأرجل ثلاثاً أو أربعاً أو رأسين فغرة على الصحيح وقيل غرتان ولو ألقت بدنين فغرتان لأن الشخص الواحد لا يكون له بدنان بحال كذا ذكره الإمام والغزالي والبغوي وغيرهم وحكى الروياني من نص الشافعي رحمه الله خلافه وجوز بدنين لرأس كرأسين لبدن ولو ألقت عضواً كيد أو رجل ثم ألقت جنينا فله حالان أحدهما أن يكون الجنين فقيد ذلك العضو فينظر إن ألقته قبل الاندمال وزوال ألم الضرب فإن كان ميتاً لم تجب إلا غرة وبقدر العضو مباناً منه بالجناية وإن انفصل حياً ثم مات من الجناية وجب دية ودخل فيها أرش اليد وإن عاش فقد أطلق البغوي وجوب نصف الدية على عاقلة الضارب ونقل ابن الصباغ وغيره أنه تراجع القوابل فإن قلن إنها يد من خلق فيه حياة وجب نصف الدية وكذا إن علمنا انفصال اليد منه بعد خلق الحياة بأن ألقتها ثم انفصل الجنين عقب الضرب وإن شككنا في حاله وجب نصف الغرة عملاً باليقين وليكن اطلاق البغوي محمولاً على ذا التفصيل وإن ألقته بعد الاندمال لم يضمن الجنين حياً كان أو ميتاً لزوال الألم الحاصل بفعله وأما اليد فإن خرج ميتاً فعليه نصف غرة لها وإن خرج حياً ومات أو عاش فقيل يجب نصف غرة كما لو قطع يد شخص فاندمل ثم مات وقيل تراجع القوابل كما سبق ولو ضرب بطنها فألقت يدا ثم ضربها آخر فألقت جنيناً لا يد له فإن ضرب الثاني قبل الاندمال وانفصل الجنين ميتاً فالغرة عليهما وإن انفصل حياً فإن عاش فعلى الأول نصف الدية وليس على الثاني سوى التعزير وإن مات فعليهما الدية وإن ضرب الثاني بعد الاندمال فإن انفصل ميتاً فعلى الأول نصف الغرة وعلى الثاني غرة كاملة كما لو قطع يد رجل فاندمل ثم قتله آخر فعلى الأول نصف دية وعلى الثاني دية وإن خرج حياً فعلى الأول نصف الدية ثم إن عاش فليس على الثاني إلا التعزير وإن مات فعليه دية كاملة‏.‏

الحال الثاني أن ينفصل الجنين كامل الأطراف فينظر إن انفصل قبل الاندمال فمقتضى ما سبق فيمن ألقت ثلاث أيد أن يقال إن انفصل ميتاً لم يجب إلا غرة واحدة لاحتمال أن التي ألقتها كانت يداً زائدة وإن انفصل حياً ومات فالواجب غرة وإن عاش لم يجب إلا حكومة وبهذا التفصيل جزم الغزالي وفي التتمة و التهذيب أنه إن انفصل ميتاً وجب غرتان أحدهما لليد والأخرى للجنين وإن خرج حياً ومات وجب دية وغرة ولو ألقت أولاً جنيناً كاملاً ثم يداً فالحكم كذلك وإن انفصل الجنين بعد الاندمال لم يجب بسبب الجنين شيء ولو ضربها رجل فألقت اليد ثم ضربها آخر فألقت الجنين ففي التهذيب أن ضمان الجنين على الثاني سواء ضرب بعد اندمال الأول أو قبله فإن خرج ميتاً وجب فيه غرة وإن خرج حياً فمات فدية وقياس ما سبق أن يقال إن ضرب الثاني قبل الاندمال وانفصل ميتاً وجبت الغرة عليهما وإن انفصل حياً وعاش فعلى الأول حكومة وليس على الثاني إلا التعزير وإن مات فعليهما الدية‏.‏

قد سبق في كتاب العدة أن الغرة تجب إذا سقطت بالجناية ما ظهر فيه صورة آدمي كعين أو أذن أو يد ونحوها ويكفي الظهور في طرف ولا يشترط في كلها ولو لم يظهر شيء من ذلك فشهد القوابل أن فيه صورة خفية يختص بمعرفتها أهل الخبرة وجبت الغرة أيضاً وإن قلن ليس فيه صورة خفية لكنه أصل آدمي ولو بقي لتصور لم تجب الغرة على المذهب وإن شككن هل هو أصل آدمي لم تجب قطعاً‏.‏

 فصل إنما تجب الغرة الكاملة في جنين محكوم بإسلامه

تبعاً لأبويه أو أحدهما وبحريته فأما الجنين المحكوم بأنه يهودي أو نصراني تبعاً لأبويه ففيه أوجه أحدها لا يجب فيه شيء أصلاً والثاني تجب غرة كالمسلم وأصحها وبه قطع الجمهور يجب ثلث غرة المسلم فعلى هذا في الجنين المجوسي ثلثا عشر غرة المسلم وهو ثلث بعير ثم قيل يؤخذ هذا القدر من الدية ويدفع إلى المستحق ولا يصرف في غرة وقيل يدفع هذا القدر أو غرة بقيمته والأصح المنصوص أنه يشتري به غرة إلا أن لا توجد فيعدل حينئذ إلى الإبل أو الدراهم ولو كان أحد أبوي الجنين يهودياً أو نصرانياً والآخر مجوسياً فهل يجب فيه ما يجب في الجنين النصراني أم المجوسي أم يعتبر بالأب فيه أوجه الأصح المنصوص هو الأول ولو كان أحد أبويه ذمياً والآخر وثنياً لا أمان له فعلى الأصح يجب ما يجب فيمن أبواه ذميان وعلى الثاني لا شيء فيه وعلى الثالث يعتبر جانب الأب والجنين المتولد من مستأمنين كجنين الذميين ولو اشترك مسلم وذمي في وطء ذمية بشبهة فحبلت وأجهضت جنيناً بجناية يعرض الجنين على القائف وله حكم من ألحقه به وإن أشكل الأمر أخذ الأقل ووقف إلى أن ينكشف الحال أو يصطلحوا قال في البيان ولا يجوز أن يصطلح الذمي والذمية في قدر الثلث منه لجواز أن يكون الجميع للمسلم لا حق لهما فيه ويجوز أن يصطلح في الثلث المسلم والذمية لأنه لا حق للذمي فيه ولا يخرج استحقاقه عنهما والمسألة مفرعة على أن الميت يعرض على القائف وهو الصحيح ولو جنى على مرتدة حبلى فأجهضت نظر إن ارتدت بعد الحبل وجبت غرة لأن الجنين محكوم بإسلامه وإن حبلت بعد الردة من مرتد بني على المتولد من مرتدين مسلم أم كافر إن قلنا مسلم وجب غرة وإلا فلا شيء فيه على الصحيح كجنين الحربيين وبه قطع الشيخ أبو علي وغيره وفي التهذيب أن فيه دية جنين مجوسي لعلقة الإسلام‏.‏

فرع جنى على ذمية حبلى من ذمي فأسلم أحدهما ثم أجهضت وجبت غرة كاملة لأن الاعتبار في الضمان بآخر الأمر وكذا حكم من جنى على أمة حبلى فعتقت ثم ماتت وفيما يستحقه سيدها من ذلك وجهان أو قولان الصحيح الأقل من عشر قيمة الأمة ومن الغرة والثاني لا يستحق السيد بحكم الملك شيئاً قاله القاضي أبو الطيب والقفال لأن الإجهاض حصل حال الحرية فصار كحر تردى في بئر كان عند حفرها رقيقاً لا شيء لسيده من الضمان‏.‏

فرع جنى على حربية فأسلمت ثم أجهضت فالأصح وبه قال ابن الحداد لا يجب شيء وقيل يجب غرة‏.‏

قلت قال البغوي يجري الوجهان فيما لو جنى السيد على أمته الحامل من غيره فعتقت ثم ألقت الجنين‏.‏

والله أعلم‏.‏

فرع الجنين الرقيق فيه عشر قيمة الأم ذكراً كان أو أنثى قنة كانت أمة أو مدبرة ومكاتبة ومستولدة ولو ألقت جنينا ميتاً فعتقت ثم ألقت آخر ميتاً فالواجب في الأول عشر قيمة الأم وفي الثاني الغرة وفي القيمة المعتبرة وجهان أحدهما قيمة يوم الإجهاض والأصح المنصوص تعتبر القيمة أكثر ما كانت من الجناية إلى الإجهاض فلو كان الجنين سليماً والأم مقطوعة الأطراف أو بالعكس فوجهان أحدهما تقوم مقطوعة وأصحهما سليمة كما لو كانت كافرة والجنين مسلم يقدر فيها الإسلام وتقوم مسلمة وكما لو كان الجنين رقيقاً وهي حرة بأن كانت لرجل والجنين لآخر فأعتقها صاحبها وبقي الجنين رقيقاً لصاحبه تقدر الأم رقيقة ويجب في الجنين عشر قيمتها‏.‏

فرع جارية مشتركة بينهما نصفين حبلت من زوج أو زنى وجنى عليها رجل فألقت جنيناً ميتاً لزمه عشر قيمة الأم للسيدين فلو جنى عليها أحدهما فألقت ميتاً لزمه نصف عشر قيمة الأم لشريكه ولو أعتقها بعدما جنى ثم ألقته نظر إن كان معسراً عتق نصيبه من الأم والجنين وعليه نصف عشر قيمة الأم لشريكه وهل يلزمه نصف الغرة للنصف الحر وجهان قال ابن الحداد لا لأنه وقت الجناية كان ملكه وقال آخرون نعم وهو نصه في الأم لأن الجناية على الجنين إنما تتحقق عند الإلقاء وهو حر حينئذ والخلاف مبني على أن الموجب للغرة الضرب أو الإجهاض وفيه وجهان وأكثر الناقلين يميلون إلى ترجيح وجوب نصف الغرة والأصح ما رجحه الشيخ أبو علي وجماعة أنه لا يجب وأن الموجب الضرب لتأثيره فإن أوجبنا بني على أن من بعضه رقيق هل يورث إن قلنا نعم فهو لورثته غير سيده وأمه لأنه قاتل وبعضها رقيق وإن قلنا لا فهل هو لبيت المال أم للمالك نصفه فيه الخلاف السابق في الفرائض أما إذا كان المعتق موسراً فإن قلنا تحصل السراية بنفس الإعتاق أو بأداء القيمة وأداها قبل الإجهاض فعلى الجاني الغرة وتصرف إلى ورثة الجنين وإن قلنا تحصل بأداء القيمة ولم يؤدها حتى أجهضت فحكمه كما ذكرنا فيما لو كان معسراً وإن قلنا العتق موقوف فإن أدى القيمة تبين حصول العتق من وقت اللفظ ويكون حكمه كما إذا قلنا تحصل بنفس الإعتاق وإن لم يؤد فكما ذكرنا لو كان معسراً ولو كانت المسألة بحالها لكن أعتق أحدهما نصيبه ثم جنى عليها جان فألقت جنينا ميتاً فالجاني المعتق أو شريكه أو أجنبي فإن كان المعتق نظر إن كان معسراً بقي نصيب الشريك ملكاً له فعليه له نصف عشر قيمة الأم وعليه للنصف الذي عتق نصف الغرة بلا خلاف ولمن يكون ذلك يبنى على الخلاف فيمن بعضه حر هل يورث كما سبق وإن كان موسراً فإن قلنا تحصل السراية بأداء القيمة أو قلنا بالوقف وأدى القيمة غرم لشريكه نصف قيمة الأمة حاملاً ولا يفرد الجنين بقيمته بل يتبع الأم في التقويم كما يتبعها في البيع ويلزمه بالجناية الغرة لأن الجنين حر وترث الأم منها لأنها حرة والباقي منها لعصبته ولا شيء للمعتق لأنه قاتل وإن جنى الشريك الآخر فإن كان المعتق معسراً فنصف الجنين مملوك للجاني فيلزمه نصف غرة للنصف الحر ويعود الخلاف في أنه لمن هو وإن كان موسراً فإن قلنا لا تحصل السراية إلا بأداء القيمة أو قلنا بالوقف ولم يؤد القيمة فالحكم كما لو كان معسراً وإن قلنا يعتق باللفظ أو بالتوقف وأدى القيمة فللجاني على المعتق نصف قيمتها حاملاً وعلى الجاني الغرة وترثها الأم والعصبة وإن كان الجاني أجنبياً فإن كان المعتق معسراً فقد أتلف الأجنبي جنيناً نصفه حر ونصفه رقيق فعليه نصف غرة ونصف عشر قيمة الأم وإن كان المعتق موسراً وعتق كله فقد أتلف الأجنبي جنيناً حراً ففيه غرة ولو جنى عليها الشريكان معاً فأجهضت جنيناً فعلى كل واحد منهما للآخر ربع عشر قيمة الأم لأن كل واحد منهما جنى على ملك نفسه وملك صاحبه ونصيب كل واحد تلف بفعليهما فهدر جنايته على ملكه والحقان من جنس واحد فيكون على خلاف التقاص‏.‏

وإن أعتقاها معاً بعدما جنيا أو وكلا رجلاً فأعتقها بكلمة ثم أجهضت فقد عتق الجنين مع الأم قبل الإجهاض فيضمن بالغرة وفيما يجب على كل واحد منهما وجهان قال ابن الحداد ربع الغرة اعتباراً بحال الجناية وقال غيره نصفها اعتباراً بحال الإجهاض وللأم ثلث الواجب والباقي للعصبة ولا يرث السيدان منها شيئاً لأنهما قاتلان ولو جنى عليها أحدهما ثم أعتقاها ثم أجهضت فعلى قول ابن الحداد على الجاني نصف الغرة ولشريكه الأقل من نصفها ونصف عشر قيمة الأم وعلى قول غيره عليه غرة كاملة اعتباراً بيوم الإجهاض‏.‏

وطىء شريكان مشتركة فحبلت فجنى فألقت ميتاً فإن كانا موسرين فالجنين حر وعلى الجاني غرة وهي لمن يلحقه الجنين وإن كانا معسرين فهل كل الولد حر أم نصفه قولان أظهرهما الثاني فعلى هذا على الجاني نصف الغرة ونصف عشر قيمة الأم فنصف الغرة لمن يلحقه ونصف عشر القيمة للآخر‏.‏

فرع جنت مستولدة حامل من سيدها على نفسها فألقت جنيناً ميتاً فلا ضمان إن لم يكن للجنين وارث سوى السيد وإن كان له أم أم حرة غرم السيد لها الأقل من قيمة المستولدة وسدس الغرة قال الشيخ أبو علي ويجيء قول إن عليه سدس الغرة بالغاً ما بلغ على أن أرش جناية المستولدة يلزم السيد بالغاً ما بلغ‏.‏

فرع مات عن زوجة حامل وأخ لأب وفي التركة عبد فضرب بطنها فألقت الجنين ميتاً تعلقت الغرة برقبة العبد وللأم ثلثها وللعم ثلثاها والعبد ملكهما والمالك لا يستحق على ملكه شيئاً فيقابل ما يرثه كل واحد بما يملكه فالأخ يملك ثلاثة أرباع العبد فيتعلق به ثلاثة أرباع الغرة وله ثلثا الغرة يذهب الثلثان بالثلثين يبقى نصف سدس الغرة متعلقاً بحصته من العبد والزوجة تملك ربع العبد فيتعلق به ربع الغرة ولها ثلث الغرة يذهب ربع بربع يبقى لها نصف سدس الغرة متعلقاً بنصيب الأخ وهو ثلاثة أرباع العبد فيفديه بأن يدفع نصف سدس الغرة إلى الزوجة‏.‏

فرع جنى حر أبوه رقيق وأمه عتيقة على امرأة حامل ثم أعتق أبوه انجر ولاؤه من معتق أمه إلى معتق أبيه ثم أجهضت الحامل قال ابن الصباغ على قياس ابن الحداًد يتحمل بدل الجنين مولى الأم اعتباراً بحال الجناية وعلى قياس غيره يتحمل مولى الأب اعتباراً بحال الإجهاض‏.‏

فرع أحبل مكاتب أمته فجنى عليها فأجهضت وجب في الجنين عشر قيمة الأم لأنها رقيقة بعد‏.‏

الطرف الثالث في صفة الغرة هي رقيق سليم من عيب يثبت رد المبيع له سن مخصوص فيجبر المستحق على قبولها من أي نوع كانت وسواء الذكر والأنثى ولا يجبر على قبول خصي وخنثى وكافر ولو رضي بقبول المعيب جاز ولا يجبر على قبول من لم يبلغ سبع سنين وفي لفظ الشافعي رحمه الله لا يقبل دون سبع أو ثمان فقيل معناه ما ذكرنا ويمكن أن المراد لا يقبل دون سن التمييز وهو سبع أو ثمان ويختلف باختلاف الصبيان ولا يقبل من ضعف بالهرم وخرج عن الاستقلال ويقبل دونه وقيل لا يقبل بعد عشرين سنة غلاماً كان أو جارية وقيل لا تقبل الجارية بعد عشرين ولا الغلام بعد خمس عشرة وصحح جماعة هذا والأول أصح وحكوه عن النص‏.‏

قلت كذا ضبطوه على الوجه الثالث بخمس عشرة سنة وعللوه بأنه لا يدخل على النساء وكان ينبغي أن يضبط بالبلوغ فلا يقبل من بلغ لدون هذا السن والله أعلم‏.‏

وهل تتقدر قيمة الغرة وجهان أحدهما الإبل إذا وجدت السلامة والسن وجب القبول وإن قلت قيمتها وأصحهما وبه قطع الجمهور يشترط أن تبلغ قيمتها نصف عشر الدية وهو خمس من الإبل ومتى وجدت الغرة بصفاتها لم يجبر على قبول غيرها والاعتياض عنها كالاعتياض عن إبل الدية وإن لم توجد الغرة فطريقان أصحهما على قولين أظهرهما يجب خمس من الإبل والثاني قيمة الغرة والطريق الثاني خمس من الإبل قطعاً فإذا أوجبنا الإبل ففقدت فهو كفقدها في الدية فعلى الجديد تجب قيمتها وعلى القديم يجب خمسون ديناراً أو ستمائة درهم‏.‏

الطرف الرابع في مستحق الغرة أما المستحق فورثة الجنين فلو جنت الحامل على نفسها بشرب دواء أو غيره فلا شيء لها من الغرة المأخوذة من عاقلتها لأنها قاتلة وهي لسائر ورثة الجنين

وأما من تجب عليه الغرة فالجناية على الجنين قد تكون خطأ محضاً بأن يقصد غير الحامل فيصيبها وقد تكون شبه عمد بأن يقصد ضربها بما يؤدي إلى الإجهاض غالباً فتجهض ولا تكون عمداً محضاً لأنه لا يتحقق وجوده وحياته حتى يقصد هذا هو الصحيح وبه قطع الجمهور وفي المهذب أنه يكون عمداً محضاً إذا قصد الإجهاض وقال ابن الصباغ قال أبو إسحاق وإن قصدها بالضرب يكون خطأ محضاً في حق الجنين فعلى الصحيح سواء كانت خطأ أو شبه عمد فالغرة على العاقلة قال ابن الصباغ والغرة بدل نفس فلا يجيء فيها القول القديم في أن العاقلة لا تحمل ما دون النفس وفي جمع الجوامع للروياني أن بعضهم أثبت فيها القديم وليس بشيء وإذا فقدت الغرة وقلنا تنتقل إلى خمس من الإبل غلظنا إن كانت الجناية شبه عمد بأن تؤخذ حقة ونصف وجذعة ونصف وخلفتان قاله الأصحاب ولم يتكلموا في التغليظ عند وجود الغرة لكن قال الروياني ينبغي أن يقال تجب غرة قيمتها نصف عشر الدية المغلظة وهذا حسن أما بدل الجنين الرقيق فلسيده وهل تحمله العاقلة فيه القولان في بدل العبد‏.‏

قطع طرف حامل أو جرحها فألقت جنيناً ميتاً يجب مع ضمان الجنين ضمان الجناية حكومة كان أو أرشاً مقدراً ويكون ضمان الجناية لها ولو تألمت بالضرب وألقت جنيناً فإن لم يبق شين لم يجب للألم شيء وإن بقي وجبت له حكومة في الأصح‏.‏

 فصل سقط جنين ميت وادعى وارثه على رجل أنه سقط بجنايته

فأنكر أصل الجناية صدق بيمينه ولا يقبل قول المدعي إلا بشهادة رجلين فإن أقر بالجناية وأنكر الإسقاط وقال السقط ملتقط فهو المصدق أيضاً وعلى المدعي البينة وتقبل شهادة النساء لأن الإسقاط ولادة وإن أقر بالجناية والإسقاط وأنكر كون الإسقاط بسبب جنايته نظر إن أسقطت عقب الجناية فهي المصدقة باليمين سواء قال إنها شربت دواء أو ضرب بطنها آخر أو قال انفصل الجنين لوقت الولادة لأن الجناية سبب ظاهر وإن أسقطت بعد مدة من وقت الجناية صدق بيمينه لأن الظاهر معه إلا أن تقوم بينة على أنها لم تزل متألمة حتى أسقطت ولا تقبل هذه الشهادة إلا من رجلين وضبط المتولي المدة المتخللة بما يزول فيه ألم الجناية وأثرها غالبا وإن اتفقا على سقوطه بجنايته فقال الجاني سقط ميتاً فالواجب الغرة وقال الوارث بل حياً ثم مات والواجب الدية فعلى الوارث البينة لما يدعيه من استهلال وغيره وتقبل فيه شهادة النساء لأن الاستهلال حينئذ لا يطلع عليه غالباً إلا النساء وعن رواية الربيع أنه يشترط رجلان ولو أقام كل بينة لما يقوله فبينة الوارث أولى لأن معها زيادة علم ولو اتفقا على أنه انفصل حياً بجنايته وقال الوارث مات بالجناية وقال الجاني بل مات بسبب آخر فإن لم يمتد الزمان فالمصدق الوارث بيمينه وإن امتد وإن امتد صدق الجاني بيمينه إلا أن يقيم الوارث بينة أنه لم يزل متألماً إلى أن مات ولو ألقت جنينين وادعى الوارث حياتهما وأنكر الجاني حياتهما فأقام الوارث بينة باستهلال أحدهما قال المتولي الشهادة مسموعة ثم إن كانا ذكرين وجب دية رجل وغرة وإن كانا أنثيين فدية امرأة وغرة وإن كانا ذكراً وأنثى وجب اليقين وهو دية امرأة وغرة ولو صدق الوارث في حياة أحدهما وكانا ذكراً وأنثى فقال الوارث الحي هو الذكر وقال الجاني بل الأنثى صدق الجاني بيمينه ويحلف على نفي العلم بحياة الذكر وتجب دية امرأة وغرة ولو صدقه الجاني في حياة الذكر وكذبته العاقلة فعلى العاقلة دية أنثى وحكومة والباقي في مال الجاني ولو ألقت جنينين حيين وماتا وماتت الأم بينهما ورثت الأم من الأول وورث الثاني من الأم ولو قال وارث الجنين ماتت الأم أولاً فورثها الجنين ثم مات فورثته أنا وقال وارث الأم بل مات الجنين أولاً فورثته الأم ثم ماتت فورثها فإن كان بينة حكم بها وإلا فإن حلف أحدهما ونكل الآخر قضي للحالف وإن حلفاً أو نكلا لم يورث أحدهما من باب كفارة القتل هي عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فهل عليه إطعام ستين مسكيناً قولان وقال القفال وجهان وأنكر على صاحب التلخيص رواية القولين أظهرهما لا فعلى هذا لو مات قبل الصوم أخرج من تركته لكل يوم مد طعام كفوات صوم رمضان والقول في صفة الرقبة والصيام والإطعام إن أوجبناه وما يجوز النزول من درجة إلى درجة على ما سبق في الكفارات‏.‏

 فصل قتل العمد وشبه العمد والخطأ يوجب الكفارة

وقال ابن المنذر لا تجب في العمد وحكى الروياني وجهاً ضعيفاً عن رواية أبوي علي بن أبي هريرة والطبري أنه إذا اقتص من المتعمد فلا كفارة في ماله فعلى هذا إنما يجب إخراج الكفارة إذا لم يقتص منه بأن مات أو عفي عنه وتجب الكفارة في القتل بالسبب كما في المباشرة فتجب على حافر البئر عدواناً ومن نصب شبكة فهلك بهما شخص وعلى المكره وشاهد الزور ولا تجب في القتل المباح كقتل مستحق القصاص الجاني وكقتل الصائل والباغي ونعني بالمباح ما أذن فيه والخطأ لا يوصف بكونه مباحاً ولا حراماً فصل تجب الكفارة على الذمي والعبد وفي مال الصبي والمجنون إذا قتلا ولا تجب بوطئه في صوم رمضان لأنه غير متعد والتعدي شرط في وجوب تلك الكفارة وإذا وجبت الكفارة بقتل الصبي والمجنون أعتق الولي من مالهما كما يخرج الزكاة والفطرةمنه ولا يصوم عنهما بحال ولو صام الصبي في صغر فهل يجزئه وجهان كما لو قضى في صغره حجة أفسدها وإذا أدخلنا الإطعام في هذه الكفارة أطعم الولي إن كانا من أهله وينبغي أن يقال إن اكتفينا بصوم الصبي لم يجز العدول إلى الإطعام وإلا فيجوز كالمجنون ولو أعتق الولي من مال نفسه عنهما أو أطعم قال البغوي إن كان أباً أو جداً جاز وكأنه ملكهما ثم ناب عنهما في الإعتاق والإطعام وإن كان وصياً أو قيماً لم يجز حتى يقبل القاضي لهما التمليك ولا كفارة على حربي لأنه غير ملتزم وهل تجب على من قتل نفسه وجهان أصحهما نعم لأنه قتل محرم فتخرج من تركته ويجري الخلاف فيمن حفر بئراً عدواناً فهلك بها رجل بعد موته ووجه المنع أن في الكفارة معنى العبادة فيبعد وجوبها على ميت ابتداء ولو اشترك جماعة في قتل فهل على كل واحد كفارة أم على الجميع كفارة واحد وجهان أصحهما الأول‏.‏

 فصل شرط القتيل الذي تجب بقتله الكفارة أن يكون آدمياً معصوماً

بإيمان أو أمان فتجب على من قتل عاقلاً أو مجنوناً أو صبياً أو جنيناً أو ذمياً أو معاهداً أو عبداً وعلى السيد في قتل عبده ولا تجب بقتل حربي ومرتد وقاطع طريق وزان محصن ولا بقتل نساء أهل الحرب وأولادهم وإن كان قتلهم محرماً لأن تحريمه ليس لحرمتهم بل لمصلحة المسلمين لئلا يفوتهم الإرتفاق بهم‏.‏

فرع إذا قتل مسلماً في دار الحرب وجبت الكفارة بكل حال قال الله تعالى ‏"‏ وإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة ‏"‏ معناه عند الشافعي وغيره رحمهم الله وإن كان من قوم عدوكم‏.‏

وأما القصاص والدية فإن ظنه القاتل كافراً لكونه بزي الكفار فلا قصاص وفي الدية قولان أظهرهما لا تجب وإلا فإن عرف مكانه فهو كما لو قتله في دار الإسلام حتى إذا قصد قتله يجب القصاص أو الدية المغلظة في ماله مع الكفارة وإن لم يعرف مكانه ورمى سهماً إلى صف الكفار في دار الحرب سواء علم في الدار مسلماً أم لا نظر إن لم يعين شخصاً أو عين كافراً فأخطأ وأصاب مسلماً فلا قصاص ولا دية وكذا لو قتله في بيات أو غارة ولم يعرفه وإن عين شخصاً فأصابه وكان مسلماً فلا قصاص وفي الدية قولان ويشبه أن يكونا هما القولين فيمن ظنه كافراً ولو دخل الكفار دار الإسلام فرمى إلى صفهم فأصاب مسلماً فهو كما لو رمى إلى صفهم في دار الحرب وبالله التوفيق‏.‏